حقيقة،
منها:
في
مصر: (المعهد الشرقي بدير الدومينيكان)، و(المعهد الفرنسي)،
(وندوة الكتاب)، و(كلية السلام)، و(الجامعة الأمريكية)، و(كلية فكتوريا)،
و(مدارس الراهبات والفرنسيسكان والفرير).
وفي
لبنان: جامعة القديس يوسف (الجامعة اليسوعية حالياً) و(الجامعة
الأمريكية).
وفي
سوريا: (مدارس اللاييك)، و(الفرير)، و(كلية السلام)، وغيرها...
وهكذا في كثير من الأقطار الإسلامية.
واشتهر في العهد
الاستعماري عدد من المستشرقين الذين قاموا بإصدار مجلات في جميع الدول
الإسلامية، وجمعوا بشتى الطرق المخطوطات العربية الإسلامية ونقلوها إلى
بلادهم بأعداد هائلة، بلغت في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر
الميلادي) مائتان وخمسون ألف مجلد من نوادر المخطوطات، ومازال العدد في
تزايد حتى يومنا هذا.
عقد المستشرقون
أول مؤتمر لهم في باريس عام 1290هـ، 1873م ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات
الاستشراقية التي تُلقى فيها البحوث والدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته،
وما تزال مثل هذه المؤتمرات تُعقد حتى اليوم.
لكن البعض يقول إن
هذه البدايات لا تعد البداية الحقيقية للاستشراق الذي أصبح ينتج ألوف
الكتب سنوياً ومئات الدوريات ويعقد المؤتمرات، وإنما تعد هذه جميعاً "من
قبيل الإرهاص لها وما أتى بعدها يعد من قبيل تعميق الفكرة، والتوسع فيها
وشد الانتباه إليها".
ويرى أصحاب هذا
الرأي أن البداية الحقيقية للاستشراق - الذي يوجد في العالم الغربي اليوم
ولاسيما بعد أن بنت أوروبا نهضتها الصناعية والعلمية وأصبح فيها العديد من
الجامعات ومراكز البحوث وأنفقت ولا تزال تنفق بسخاء على هذه البحوث- قد
انطلقت منذ القرن السادس عشر حيث "بدأت الطباعة العربية فيه بنشاط فتحركت
الدوائر العلمية وأخذت تصدر كتاباً بعد الآخر ..".
ثم ازداد النشاط
الاستشراقي بعد تأسيس كراس للغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية مثل
كرسي أكسفورد عام 1638 وكامبريدج عام 1632، ويضيف سمايلوفيتش بأن تأسيس
الجمعيات العلمية مثل الجمعية الأسيوية البنغالية والجمعية الاستشراقية
الأمريكية والجمعية الملكية الآسيوية البريطانية وغيرها بمنزلة "الانطلاقة
الكبرى للاستشراق حيث تجمعت فيها العناصر العلمية والإدارية والمالية
فأسهمت جميعها إسهاماً فعّالاً في البحث والاكتشاف والتعرف على عالم الشرق
وحضارته فضلاً عما كان لها من أهداف استغلالية واستعمارية".
وكان من المشروعات
الاستشراقية المهمة إنشاء مدرسة اللغات الشرقية الحية في فرنسا برئاسة
المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي التي كانت تعد قبلة المستشرقين
الأوروبيين وساهمت في صبغ الاستشراق بالصبغة الفرنسية مدة من الزمن.
مناهج الاستشراق:
من الصعب أن نجمع
المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان واحداً في كل الأزمان
والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، ولكن تسهيلاً لهذا الأمر فيمكن
إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد كبير من المستشرقين قديماً
وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية عموماً.
1-
محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية:
وهذا الأمر يتمثل
في كثير من الكتابات حول الوحي وحول القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة، ويقول في ذلك عماد الدين خليل نقلاً عن جواد علي "إن معظم
المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين أو من الخريجين من كليات
اللاهوت، وهم عندما يتطرقون إلى الموضوعات الحساسة من الإسلام يحاولون جهد
إمكانهم ردها إلى أصل نصراني..".
2-
التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف:
دأب المستشرقون
عموماً على التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف من خلال الزعم بأن
"الحديث لم يدون وقد نقل شفاهاً مما يستوجب في نظرهم عدم صحة الأحاديث".
والأمر الثاني في نظرهم كثرة الوضع في الحديث، والأمر الثالث اتهام
المستشرقين للفقهاء بوضع الأحاديث وتلفيقها "لترويج آرائهم واختلاق الأدلة
التي تسند تلك الآراء..".
3-
البحث على الضعيف والشاذ من الروايات:
يقول جواد علي
"لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف في بعض الأحيان وحكموا بموجبه،
واستعانوا بالشاذ ولو كان متأخراً، أو كان من النوع الذي استغربه النقدة
وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في إثارة
الشك".
وهذا الأمر مشهور
إلى حد كبير فهم يذهبون إلى الكتب التي تجمع الأحاديث وبخاصة مثل كنز
العمال وغيرها من الكتب التي لا يرد فيها تصحيح أو تخريج للأحاديث، وقد
كتب باحث بريطاني عن فتح المسلمين قسطنطينية بأنه وردت أحاديث عن أن الذي
سيفتحها سيكون اسمه اسم نبي ثم لما لم تفتح ادعى أن الأحاديث لا تصح لأن
تكون مصدراً، أما أنه لم يعرف صحة الحديث من عدمه فأمر لا يهمه وهو الذي
يدعي العلمية والنزاهة.
4-الاهتمام
بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق
لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كثرت كتابات
المستشرقين عن الفرق كالشيعة والإسماعيلية والزنج وغيرهم من الفرق التي
ظهرت في التاريخ الإسلامي وأعطوها من المكانة والاهتمام أكثر مما تستحق،
بل إن هناك من كتب عن المنافقين في عهد الرسول وأطلق عليهم لقب المعارضة
لإعطاء ما قاموا به من عداوة لله ولرسوله شرعية. وحصل بعضهم على درجة
الدكتوراه في بحوث حول هذه الفرق.
5-
الخضوع للهوى والبعد عن التجرد العلمي:
يقول الدكتور عبد
العظيم الديب: "فالمستشرق يبدأ بحثه وأمامه غاية حددها، ونتيجة وصل إليها
مقدماً، ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك، ومن هناك يكون دأبه واستقصاؤه الذي
يأخذ بأبصار بعضهم..".
6-
التفسير بالإسقاط:
يشرح الدكتور
الديب هذا الخطأ المنهجي بأنه "إسقاط الواقع المعاصر المعاش، على الوقائع
التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم
الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم". فمثلاً واقع الغربيين يدل
على تنازعهم على السلطة وإن كان الأمر يبدو في الحاضر انتخابات وحرية
اختيار، ولكن الحقيقة أن من يملك المال يستطيع أن يصل إلى الأصوات حتى صدر
في أمريكا كتاب بعنوان (بيع الرئيس) وكتاب آخر عن (صناعة الرئيس)، فجاء
المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على أنها اغتصاب للسلطة
أو تآمر بين ثلاثة من كبار الصحابة هم والله أنقى البشر بعد الأنبياء
والرسل وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين
فزعموا أن هؤلاء الثلاثة تآمروا على أن يتولوا الخلافة الواحد تلو الآخر.
وذكرت كذلك أنهم
سموا المنافقين بالمعارضة وغير ذلك من الإسقاطات التي تدل على سوء طوية
وخبث وبعد عن المنهج العلمي.
7-
المنهج الانتقائي وإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ:
عرف عن كثير من
المستشرقين في كتاباتهم حول السيرة النبوية الشريفة وحول التاريخ الإسلامي
أنهم ينتقون بعض الأحداث والقضايا ويكتبون عنها ويهملون غيرها كما أنهم
يشككون في أمور من المسلمات لدينا في التاريخ الإسلامي. فمن ذلك أنهم كما
قال د. محمد فتحي عثمان "لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة النبوية وأجهدوا
أنفسهم في إثارة الشكوك وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول ولو تمكنوا
لأثاروا الشك حتى في وجوده...".
8-
التحريف والتزييف والادعاء:
قام بعض المستشرقين
بتحريف كثير من الحقائق التي تخص الإسلام ورسالته وتاريخه، فمن ذلك مثلاً
أن بعضهم أنكر عالمية الإسلام وبخاصة فيما يتعلق برسائل الرسول إلى
الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب كرسائله إلى هرقل والمقوقس وكسرى،
وإنكار عالمية الرسالة الإسلامية يظهر فيما كتبه جوستاف لوبون في كتابه
(تاريخ العرب) حيث زعم أن الرسول رأى أنه كان لليهود أنبياء وكذلك
للنصارى؛ فأراد أن يكون للعرب كتاب ونبي، وكأن الرسالة والنبوة أمر يقرره
الإنسان بنفسه.
أما التزييف فقد
أورد ديورانت هذا الخبر "وكان للزبير بيوت في عدة مدن، وكان يمتلك ألف
جواد وعشرة آلاف عبد..". والخبر كما أوردته المصادر الإسلامية الموثقة هو
كالآتي "كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدخل إلى
بيته منها درهماً واحداً، يتصدق بذلك جميعه". وفي مناقشة الخبر أوضح الديب
أن المستشرق أضاف ألف جواد أقحمها في الخبر, وليس لها أساس, ثم إن في
الخبر أن الزبير رضي الله عنه يتصدق بكل دخلهم لا يدخل بيته منها شيء فلم
يورده فهل هذا من الأمانة العلمية؟.
9-
اعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين:
من العيوب
المنهجية في الدراسات الاستشراقية أنهم يعمدون إلى المصادر غير الموثقة
عند المسلمين فيجعلونها هي المصدر الأساس لدراساتهم وبحوثهم ومن ذلك أنهم
يرجعون إلى كتاب مثل كتاب (الأغاني) للأصفهاني فيجعلونه مرجعاً أساسياً في
دراساتهم للتاريخ الإسلامي وللمجتمع الإسلامي، كما يعمدون إلى المراجع
التي ضعفها العلماء المسلمون أو طعنوا في أمانة أصحابها فيجعلونها أساساً
لبحوثهم أو كان أصحاب تلك المراجع منحازين إلى فئة معينة أو متعصبين.