القحط يسكن قلوبنا بضراوة..
و"الذكريات" قد بزغ شمسها وتطاولت..
و"آهاتنا "حرىّ لا تنقطع..
وتعالت تلك الأصوات القادمة من سجل "الذكريات".
فها هي "تلوك "أسماعنا و"تمضغ" أبصارنا..
نبحث لنا عن شيء يصُم هذا الهدير المدوي!! الذي أصبحت فيه قلوبنا تئن تحت وطأة حمولته..
نتمنى أن نخلع تعبنا..
نخفف حملنا..
نطلق آهاتنا..
نكفكف دموعنا..
ونتحرر من آهاتنا..!!
ولكن الشرخ في"الذاكرة " يتضاعف.. والأنين يتواصل..؟
فيما نحن نواصل سيرنا البطيء!! والمنهك في دروب متعرجة.. ضيقة.. مسدودة من الحياة!!
إنها الجراح التي ارتشفت من دمائنا..
والفؤوس التي تكسرت على عظامنا..
والتشققات المزمنة التي أصابت جلودنا..
وهو السيل الجارف من الألم والحزن الذي أخذ يمتد "بذاكرتنا".
متجاوزاً مجراه المعقول.
ومحدثاً دوياً هائلاً في أعماقنا.
فإن تركناه وشأنه ملأ علينا قلوبنا حقداً..
وإن ردعناه سينتهب الآخرون الفرحة من قلوبنا..
عندها سننثر عويلنا بصمت..
وسننكس رؤوسنا..
وتصاب بالوجوم وجوهنا..
وتتململ أنفاسنا..
وتتحسر أفئدتنا..
وتنكفئ أعمالنا..
وتتبعثر صفوفنا..
وتمضغنا أيامنا..؟!
وهذا ما حدث مع الشاعر متمم بن نويرة حيث بكى أخيه مالكاً زمناً!!
فلما قدم على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: ما بلغ بك الوجد على أخيك؟
قال: بكيته حولاً حتى أسعدتني عيني الذاهبة عيني الصحيحة!! وما رأيت ناراً قط إلا كدت أنقطع أسفاً عليه! لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه!!
وأنشد مرثيته التي يقول فيها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة *** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالـــكاً *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معـــــا
فإلى متى نسمح لهذا الضيق أن يتمدد في أعماقنا..
إلى متى لا نطلق آهاتنا بصوت عال.. ونجعلها تدوى لتذهب دون رجعة..
إلى متى ونحن نعبث بأنفسنا.. ونجلدها دون وجه حق..
إلى متى ونحن نجتر آلامنا..
إلى متى لا نواصل تسكعنا في الحياة..
دون أن يجف الماء في عروقنا؟!
إلى متى.. إلى متى؟!